في حوار صحفي بشأن مستجدات الوساطة..
غروندبرغ: اليمن قد يُسحب إلى مواجهات إقليمية.. وهذا شرط إنقاذه من الانهيار

هناك الكثير من المتغيرات السياسية والعسكرية، المحلية منها والإقليمية، والمتعلقة بشكل مباشر بملف السلام في اليمن.
ومن هذه المتغيرات التصعيد العسكري المستمر في البحر الأحمر، وإعادة تصنيف جماعة الحوثي “منظمة إرهابية” من قبل الولايات المتحدة في ظل حملة عسكرية أميركية على مناطق سيطرة جماعة الحوثي في اليمن.
كيف أثرت هذه المتغيرات على مسار عملية السلام في اليمن، والجهود التي قامت بها الأمم المتحدة ويقودها مبعوثها في اليمن السيد هانس غروندبرغ من أجل التوصل إلى اتفاق سلام شامل في اليمن؟ وكيف يمكن تجاوزها؟ وما موقف الأمم المتحدة من هذه المتغيرات؟ وما هي الآليات المقترحة لمواصلة عملية السلام في اليمن وضمان تنفيذ وقف دائم لإطلاق النار؟
حول هذه التساؤلات وغيرها من الأسئلة التي تتردد في الشارع اليمني، تحدث المبعوث الأممي إلى اليمن، السيد هانس غروندبرغ في حوار خاص وشامل لـ”المشاهد”، دعا فيه أطراف الصراع إلى تقديم التنازلات والانخراط في مفاوضات للتخفيف عن معاناة الشعب المتعطش لإيقاف الحرب وإحلال سلام عادل في اليمن.
وحث جميع أطراف الصراع في اليمن، على التحلي بالشجاعة، واختيار الحوار، بدلاً من الانقسام من أجل اليمن. فإلى الحوار:
فهم الأزمة اليمنية
المشاهد: كيف يمكن تشخيص الازمة اليمنية في الوقت الحالي؟
غروندبرغ: لا يزال اليمن يعاني من تبعات نزاع امتد لعقد من الزمان، حيث يكافح ملايين اليمنيون تحت وطأة معاناة طويلة الأمد. وتأتي التطورات الإقليمية، لا سيما في البحر الأحمر وفي الشرق الأوسط بشكل أوسع، بما في ذلك الأحداث المأساوية في غزة، وهجمات أنصار الله على السفن التجارية والغارات الجوية الأمريكية، لتزيد من مخاطر التصعيد، وتعقًد مساعي جهود الوساطة.
رغم أن الهدنة التي تم التوصل إليها في 2022 نجحت في وقف القتال العنيف آنذاك، وأسهمت في تجنّب العودة للحرب حتى اللحظة، ومع ذلك فإنها لم تترجم إلى سلام دائم فما زلنا نشهد بين الحين والآخر حوادث قصف متفرقة، وهجمات بالطائرات المسيرة، وتحركات عسكرية.
وعلاوة على ذلك، أدى تسييس الاقتصاد واستخدامه كأداة صراع إلى أضرار واسعة وغير تمييزية طالت الغالبية العظمى من اليمنيين. إن ما يحدث لا يقتصر على كونه غير مقبول، بل يهدد بشكل مباشر كرامة المدنيين وسبل عيشهم الأساسية. يجب أن يُمنح الرجال والنساء والأطفال اليمنيون الحق في العيش الكريم، بما يشمل الحق في الصحة، والعمل، والتعليم، وحرية التنقل والتعبير، وعلى هذه الحقوق أن تُحترم وتصان.
“أدى تسييس الاقتصاد واستخدامه كأداة صراع إلى أضرار واسعة وغير تمييزية طالت الغالبية العظمى من اليمنيين. إن ما يحدث لا يقتصر على كونه غير مقبول، بل يهدد بشكل مباشر كرامة المدنيين وسبل عيشهم الأساسية.”
رغم هذه التحديات، ما زلتُ مقتنعًا بأن الوصول لتسوية سياسية تفاوضية يظل الخيار الأكثر واقعية واستدامة وعملية لتحقيق هذه الأهداف. ولهذا، أواصل العمل مع الأطراف، وكذلك مع الشركاء الإقليميين والدوليين. فالحفاظ على حيز للحوار البنّاء ضروري، ويتطلب من الأطراف مواصلة التزاماتهم بخفض التصعيد والانخراط المسؤول، كما شهدنا سابقاً خلال الهدنة عام 2022 والتفاهمات المتعلقة بخارطة الطريق في 2023.
مستجدات جهود الوساطة
المشاهد: ما هي آخر المستجدات في جهود الوساطة التي تقودونها، وماهي العقبات الرئيسية التي تواجه تحقيق تقدم ملموس نحو السلام؟
غروندبرغ: العقبات أمام التقدم كبيرة، فانعدام الثقة المتجذر، وتصاعد الخطاب العدائي، وتكرار دوامات العنف الانتقامي، إلى جانب التوترات الإقليمية المتزايدة، لاسيما في البحر الأحمر خلال الثمانية عشرشهراً الماضية، كلها عوامل تٌهدد ما تم تحقيقهُ من مكاسب وتضيّق الخناق على مساحة الوساطة.
ومع ذلك، تظل الأولويات الأساسية والتي لطالما طالب بها اليمنيون ثابتة ولم تتغير. وتتمثل هذه الأولويات، التي أقرتها الأطراف والتزمت بها، في التوصل لوقف دائم لإطلاق النار مع ترتيبات أمنية موثوقة، واتخاذ خطوات اقتصادية عاجلة، مثل دفع رواتب الموظفين الحكوميين وضمان توفر الوقود، وعملية سياسية تجمع اليمنيين لصياغة مستقبلهم. وتواصل الأمم المتحدة دعم تحقيق هذه الرؤية، واضعة تطلعات اليمنيين في صميم كل نقاش.
ولهذا، أواصل الانخراط بشكل فاعل، بدم من فريقي، عبر مستويات دبلوماسية وفنية، ومن خلال المسارات السياسية والاقتصادية والأمنية، وذلك بالتعاون مع الفاعلين الإقليميين والدوليين. فعلى سبيل المثال، نحن منخرطون مع الأحزاب السياسية، والمجتمع المدني، والنساء، والشباب، والمجموعات غير الممثلة بشكل كافٍ، لضمان أن تعكس عملية السلام تنوع اليمن وواقعه المحلي.
وعلى الصعيد الأمني، يعمل مكتبي من خلال لجنة التنسيق العسكري، وهي منصة أنشئت خلال هدنة 2022 للتخفيف من التوترات وتفادي الانزلاق نحو صراع واسع النطاق.
أما في الجانب الاقتصادي، فنحن نعمل مع جميع الأطراف لمنع المزيد من الانهيار من خلال تقديم مقترحات تشمل فتح الطرق لخفض تكاليف النقل، وتحفيز النشاط الاقتصادي، وزيادة القدرة الشرائية وهي أمور ضرورية خاصة وأن 70% من اليمنيين يعيشون تحت خط الفقر، والنساء هنّ الأكثر تضرراً. كما نواصل استكشاف حلول تقنية تدعم استقلالية البنك المركزي. وقد يتيح مسار السلام، إذا ما توافر له وقف شامل لإطلاق النار وتسوية اقتصادية، في استئناف صادرات النفط والغاز وجذب الاستثمارات الحيوية.
قد يبدو ذلك مستقبلًا بعيد المنال، وأنا لست غافلاً عن حجم التحديات التي تعترض الطريق، ولكنني أظل ملتزماً بتحويل هذه الأولويات إلى خطوات عملية تقرّب اليمن من تحقيق سلام دائم.
المشاهد: بعد تصنيف الولايات المتحدة للحوثيين “منظمة إرهابية أجنبية”، كيف سيؤثر هذا التصنيف على عملية السلام في اليمن؟ وهل نتوقع جولة جديدة من الحوار برعاية الأمم المتحدة بين الأطراف؟
غروندبرغ : لتوضيح الأمر، فإن التصنيف الأمريكي الأخير قرار سيادي، وما زالت تداعياته الكاملة، سواء السياسية أو الإنسانية، تتكشف تباعاً. ومع ذلك، وكما أكدت مراراً، فإن النزاع في اليمن لا يمكن أن يُحسم عبر إجراءات أحادية، بل عبر مفاوضات تتم بحسن نية وبدعم موحد ومنسق من المجتمع الدولي. لا غنى عن عملية سياسية جامعة تمّكن من التوصل لمسار قابل للتنفيذ، ومن جانب الأمم المتحدة، نحن نواصل الانخراط مع الأطراف، والفاعلين في المنطقة، والمجتمع الدولي بشأن القضايا الأساسية.
تطورات البحر الأحمر
المشاهد: فيما يتعلق بالتطورات في البحر الأحمر وباب المندب والإجراءات التي تتخذها جماعة الحوثي (أنصار الله) هناك، هل تُعد هذه القضايا جزءاً من المفاوضات بين الأطراف اليمنية، أم يتم التعامل معها بشكل منفصل؟ وإلى أي مدى أثرت الضربات الأمريكية ضد الحوثيين على عملية السلام في اليمن؟
غروندبرغ: لطالما حذرت من الأعمال التصعيدية ومن التخلي عن الحوار. حيث إن ذلك لا يؤدي إلا إلى زيادة الضغط على وضع هشّ بالفعل. وكما شهدنا مؤخراً في الضربات التي أودت بحياة مدنيين في رأس عيسى، فإن المدنيين اليمنيين هم دائماً من يدفعون الثمن الباهظ للحرب. ولا تقتصر هذه التطورات على الإضرار بالملاحة الدولية، بل تمس أيضاً الاستقرار الداخلي لليمن، مع تصاعد خطر جذب البلاد بشكل أعمق في دوامة المواجهات الإقليمية.
وعلى الرغم من أن التصعيد في البحر الأحمر والضربات الأمريكية ليست جزءاً مباشراً من المفاوضات اليمنية-اليمنية، إلا أنه أصبح من الصعب فصل الديناميكيات الداخلية عن التوترات الإقليمية. لذلك، بات الحوار القائم على إيجاد الحلول أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى. ولهذا السبب، أنا أدعو -ليس فقط إلى ضبط النفس وخفض التصعيد- ولكن إلى ضمانات موثوقة طويلة الأمد تحمي البحر الأحمر من أن يصبح ساحة صراع طويلة الأمد. هذه الضمانات ضرورية ليس فقط لأمن الملاحة البحرية، ولكن لمنع اليمن من الانزلاق بعيدًا عن السلام.
المشاهد: أصبح الشارع اليمني فاقد الأمل في احلال السلام منذ رعاية الأمم المتحدة مفاوضات السلام، لدرجة أنهم لا يثقون بدور الأمم المتحدة في اليمن كونهم يرون انها لم تحقق شيء ملموس في حياتهم وكل يوم تزداد معاناتهم. كيف ترد على هذا التصور؟
غروندبرغ: لقد سمعت هذه المخاوف بشكل مباشر، وأخذتها على محمل الجد. وأنا أعي تماماً الإحباط والإنهاك الذي يعصف باليمنيين بعد أكثر من عقد من النزاع، والواقع أن هذا المسار لم يكن يوماً سهلاً ولا سريعاً. ومع ذلك، أود أن أؤكد أنه، رغم عدم التوصل إلى سلام شامل حتى الآن، إلا أن هناك إنجازات مهمة أظهرت أن التقدم ممكن. فقد أسهمت الهدنة التي توسطت فيها الأمم المتحدة عام 2022 في خفض كبير لمستويات العنف، وتراجع أعداد الضحايا المدنيين، وتعزز دعم وصول المساعدات الإنسانية. لم تكن مثالية، ولكن تأثيرها كان ولا يزال ملموساً.
كما أن إطلاق سراح ما يقارب 900 من المحتجزين على خلفية النزاع عام 2023 لمّ شمل العديد من الأسر بعد سنوات من الفراق. كذلك شكّلت الالتزامات التي أعلنتها الأطراف عام 2023 خطوة أخرى للأمام، وأثبتت أن الحوار لا يزال ممكناً حتى في ظل أصعب الظروف.
ومع ذلك، أدرك أن هذه الخطوات لم تترجم بعد إلى تغيير ملموس في حياة اليمنيين اليومية. ولهذا السبب بالتحديد، ظل تركيزي منصباً على تحقيق تقدم عملي نحو وقف دائم لإطلاق النار، وتقديم تخفيف اقتصادي حقيقي، بما يشمل تدابير يمكن أن تبدأ بها الأطراف فوراً، بالإضافة إلى عملية سياسية تعكس أصوات جميع اليمنيين. أنا ملتزم بدعم مسار يؤدي إلى تغيير حقيقي على الأرض ويثبت أن الأمم المتحدة ما تزال شريكاً يعتمد عليه اليمنيون.
ولكي يتحقق التقدم، يجب على الأطراف الانخراط بحسن نية وإظهار الشجاعة والإرادة السياسية المطلوبة للمضي قدماً. لا أملك سلطة منع أي طرف من الانخراط في الحرب إذا كان هذا ما يريدونه حقاً. ومع ذلك، سأظل مستعداً دوماً للمشاركة النشطة في إيجاد حلول نحو تسوية تفاوضية.
آليات لوقف إطلاق النار
المشاهد: ما هي الآليات التي تقترحونها لضمان تنفيذ وقف دائم لإطلاق النار؟ وكيف يمكن بناء الثقة بين الأطراف المتنازعة في ظل التطورات الإقليمية الأخيرة، ولا سيما أزمة البحر الأحمر؟
غروندبرغ: إن وقف إطلاق نار دائما على مستوى البلاد، يحظي باتفاق والتزام الجميع، هو مطلب موحد لليمنيين، وهو ما تعهدت به الأطراف في ديسمبر 2023. رغم أن وقف إطلاق النار يشكل خطوة محورية نحو السلام، إلا أن استدامته تتطلب ترسيخ الثقة بين الأطراف. لقد رأينا خلال مشاوراتنا مع الجهات الفاعلة العسكرية، والمجموعات السياسية، والمجتمع المدني، والنساء، والشباب، أن الثقة يمكن بناؤها بمرور الوقت من خلال الانخراط المستمر، والإجراءات المتبادلة، والحفاظ على قنوات الاتصال مفتوحة.
يستمر مكتبي في الانخراط مع كبار الفاعلين الأمنيين وتيسير النقاشات بهدف الإعداد لوقف شامل لإطلاق النار فور تهيؤ الفرصة للتقدم. لا تزال قنوات الاتصال التي تم إرساؤها خلال فترة الهدنة، لاسيما خلال لجنة التنسيق العسكري، نشطة، وهي ضرورية لتجنب سوء الفهم والحيلولة دون التصعيد.
سواء في إطار وقف إطلاق النار المستقبلي، أو الجهود الجارية حالياً، تظل الخطوات العملية مثل إجراءات خفض التصعيد، كفتح الطرق، وخلق مساحات لاجتماع الممثلين العسكريين لبحث ومعالجة التوترات بشكل مباشر أدوات ضرورية. لطالما اعتمد اليمنيون على الحل المحلي للنزاعات، ونحن نسعى لدعم استدامة هذا النهج.
وفي نهاية المطاف، لا يمكن لأي وقف لإطلاق النار أن يدوم ما لم يحظَ بدعم دولي قوي، وتظل الحاجة ماسة لضمانات إقليمية ودولية. إن وحدة مجلس الأمن تلعب دوراً حاسماً في هذا السياق، كما يشكل دعم الفاعلون الإقليميون مثل المملكة العربية السعودية والإمارات وسلطنة عمان، عاملاً رئيسياً حتى الآن لدعم جهود الأمم المتحدة ويمكنهم المساهمة في احتواء التوترات على الأرض ودفع عجلة التنفيذ. كذلك، فإن الانخراط الوثيق مع إيران بشأن هذه المسألة مهم أيضاً.
مصير خارطة الطريق
المشاهد: في ظل الاحداث المتسارعة التي تشهدها اليمن والمنطقة العربية والاقليمية، ماذا عن خارطة الطريق التي ترعاها الأمم المتحدة؟
غروندبرغ: في أواخر عام 2023، اتفقت الأطراف على مجموعة من الالتزامات، تشمل وقف إطلاق نار شامل، واتخاذ خطوات لمعالجة التحديات الاقتصادية والإنسانية العاجلة، والبدء في التحضير لعملية سياسية جامعة، وطٌلب من الأمم المتحدة الاضطلاع بدور داعم لتنفيذ هذه الالتزامات وهيكلة مسار للمضي قدماً، من خلال خارطة طريق للأمم المتحدة.
في نظري، سواء أُطلق على هذه الالتزامات “خارطة طريق” أو أي مسمى آخر، إذ أنني مقتنع أن ما يحتاجه اليمن حقاً هو وقف شامل لإطلاق النار، وإنعاش اقتصادي، وعملية سياسية تُمهّد الطريق لإعادة البناء.
“في نظري، سواء أُطلق على هذه الالتزامات “خارطة طريق” أو أي مسمى آخر، إذ أنني مقتنع أن ما يحتاجه اليمن حقاً هو وقف شامل لإطلاق النار، وإنعاش اقتصادي، وعملية سياسية تُمهّد الطريق لإعادة البناء.”
لقد أدى التصعيد الإقليمي، لا سيما في البحر الأحمر، إلى تعقيد المشهد وإبطاء وتيرة التقدم، لكنه في الوقت ذاته أكد بشكل أوضح مدى الحاجة الملحّة لأن يسلك اليمن مساراً سياسياً نحو المستقبل.
اعتقال موظفي الأمم المتحدة
هانس غروندبرغ
عينت الأمم المتحدة هانس غروندبرغ مبعوثا خاصا لها في اليمن في 6 أغسطس 2021
المشاهد: لا يزال عدد من موظفي الأمم المتحدة الوطنيين محتجزين لدى جماعة الحوثي (أنصار الله) في صنعاء. ما هو موقفكم من ذلك، وكيف تؤثر هذه الحالة على عمل ومصداقية الأمم المتحدة في اليمن؟
غروندبرغ: أتعامل مع هذه القضية بشكل شخصي للغاية، بالنسبة لي، ولفريقي، وقبل كل شيء لعائلات زملائنا المحتجزين. إن الاحتجاز التعسفي والمطول لموظفي الأمم المتحدة وكذلك الزملاء العاملين في المنظمات الإنسانية الدولية والمحلية، ومنظمات المجتمع المدني، والبعثات الدبلوماسية، من قبل أنصار الله ليس مجرد خرق للقانون، بل عملاً قاسياً لا يليق بمن كرّسوا حياتهم لخدمة الآخرين. وكان ينبغي أن يكونوا إلى جانب عائلاتهم.
إن وفاة زميلنا أحمد، الموظف لدى برنامج الأغذية العالمي، أثناء احتجازه أمر غير مقبول على الإطلاق. لم يكن ينبغي لعائلته أن تمرّ بهذا وأن تحزن عليه في ظل هذه الظروف.
“إن وفاة زميلنا أحمد، الموظف لدى برنامج الأغذية العالمي، أثناء احتجازه أمر غير مقبول على الإطلاق. لم يكن ينبغي لعائلته أن تمرّ بهذا وأن تحزن عليه في ظل هذه الظروف.”
الأمم المتحدة، بدءاً من الأمين العام وحتى جميع وكالاتها المعنية، منخرطة بشكل فاعل في متابعة هذه المسألة. ولم أتوقف عن المطالبة بالإفراج عنهم، في جميع لقاءاتي، بما في ذلك مع كبار مسؤولي أنصار الله، والجهات الفاعلة الإقليمية، وأعضاء مجلس الأمن.
ورغم ترحيبي بالإفراج الأخير عن أحد موظفي السفارة الهولندية بوساطة عمانية، إلا أن هذه الخطوة وحدها غير كافية. لا تزال مئات العائلات تنتظر بفارغ الصبر لمّ شملها مع أحبائها، بعدما استنفدت كل السبل الممكنة لتحقيق ذلك.
أكد الأمين العام، مراراً وبوضوح على ضرورة الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المحتجزين من موظفي الأمم المتحدة، والدبلوماسيين، وأفراد المجتمع المدني. نحن نبذل كل ما في وسعنا لضمان إطلاق سراحهم. آمل أن يتصرف أنصار الله بروح من العقلانية ومسؤولية وأن يتخذوا الخطوات اللازمة لإنهاء هذا الوضع غير المقبول.
إشراك المرأة في السلام
المشاهد: لماذا موقف الأمم المتحدة أصبح ضعيفاً في المطالبة باشراك النساء في عملية السلام مقارنة بالتركيز الأكبر خلال فترات المبعوثين السابقين؟
غروندبرغ: أقدّر طرح هذا السؤال، غير أنني أود ان اوضح بكل احترام بأنني لا اتفق مع الفرضية التي يقوم عليها تصور أن موقفنا قد تراجع. إن التزامي بإدماج النساء في عملية السلام في اليمن لا يزال ثابتاً وقوياً.
مشاركة النساء أمر أساسي، بالنظر إلى العبء غير المتناسب الذي يتحملنه بسبب النزاع، والدور الحيوي الذي يلعبنه في بناء السلام.
لقد كانت رسالتنا لجميع الأطراف واضحة وثابتة: نحن لا نكتفي بالحفاظ على الجهود السابقة، بل نعمل على توسيع نطاقها لضمان مشاركة النساء مشاركة كاملة ومتساوية في جميع مسارات عملية السلام.
لقد شارك مكتبي مع مئات من الجهات الفاعلة اليمنية، بمن فيهم النساء والشباب وزعماء القبائل والفئات المهمشة من خلال مبادرات مثل “رؤية قاعدية نحو عملية سلام شاملة”، سواء داخل اليمن أو خارجه، عبر حوارات مباشرة وافتراضية، ومجموعات تركيز، وحملات تواصل، لضمان ألا تكون النساء مجرد حاضرات، بل فاعلات في التأثير على القرارات والنتائج في المسارات الثلاثة. فعلى سبيل المثال، في فبراير، عقدنا لقاءً مع سيدات أعمال يمنيات للاستماع إلى أصواتهن وفهم التحديات التي يواجهنها. وقد دمجنا وجهات نظر النساء مباشرة في مسار الحوار السياسي، من خلال تصميم آليات تضمن لهن دوراً نشطاً وجوهرياً.
وفي الوقت نفسه، تضمن تعاوننا مع منظمات المجتمع المدني إشراك المجموعات التي تقودها النساء وتلك المعنية بقضايا النساء، لضمان أن يكون للجهات المحلية، وخاصة تلك التي تعمل على الخطوط الأمامية دور فعّال في صياغة جدول الأعمال ورسم المسار.
أدوات الضغط
المشاهد: هل تمتلك الأمم المتحدة أدوات ضغط على مختلف الأطراف التي تعيق عملية السلام؟ وإذا كانت الإجابة نعم، ما هي هذه الأدوات؟
غروندبرغ: تكمن قوة الأمم المتحدة في حيادها وقدرتها على الجمع بين الأطراف، لا في الأدوات القسرية. نحن لا نمارس ضغط مباشر من خلال العقوبات أو القوة العسكرية؛ بل نستمد تأثيرنا من الحوار، والسلطة الأخلاقية، والقدرة على حشد التوافق الدولي خلف حلول مستدامة.
نستخدم هذه الوسائل لحثّ الأطراف على المضي نحو السلام، ونعمل في ذلك بالتنسيق مع الدول الأعضاء التي تمتلك أدوات تأثير تكمل دور الأمم المتحدة، سواء من خلال النفوذ، أو الحوافز الاقتصادية، أو الأدوات الدبلوماسية.
وفي نهاية المطاف، فإن الدفع الحقيقي لمسار السلام يجب أن يأتي من اليمنيين أنفسهم، ويكمن دورنا في توفير الدعم لهذا الطموح في إطار عملية يتفق عليها جميع الأطراف.
الحوار بدلا من الانقسام
المشاهد: أخيراً، نشكر المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، السيد هانس غروندبرغ، على إجابته عن أسئلتنا. هل تودّ إضافة شيء في الختام؟
غروندبرغ: أشكركم على اتاحة هذه الفرصة، ما أود قوله في الختام: لقد تحمّل اليمنيون معاناة تفوق التصور، ومع ذلك فإن صمودهم يُلهمني كل يوم. أقول لهم: نحن نراكم، نسمعكم، ولن نتوقف عن دعم تطلعاتكم نحو السلام.
وللأطراف، أحثّكم على التحلي بالشجاعة، واختيار الحوار بدلًا من الانقسام – من أجل اليمن.
وللمجتمعين الإقليمي والدولي، أقول: لا تلتفتوا بعيداً عن اليمن؛ فمستقبله يهمنا جميعاً.
سنواصل، أنا وفريقي، العمل دون كلل إلى جانب اليمنيين من أجل إحلال السلام. بإمكاننا معاً أن نحول فصل طويل من الصراع، إلى فصل من الأمل والازدهار.
شكراً لكم.