تقرير: في عدن.. أضحية العيد حلم مؤجل في سوق يتآكل فيه دخل المواطنين!

يعرض المئات من تجار وبائعي المواشي بضائعهم من الأغنام والماعز في سوق اللحوم المركزي بمديرية دار سعد شمالي العاصمة المؤقتة عدن، لكن القليل من الناس ما زال بإمكانهم الشراء في ظل ارتفاع الأسعار.
ولا يشكّل هذا العام استثناءً فيما يخص الغلاء، إذ تستمر أسعار الأضاحي بالارتفاع منذ سنوات في المدن المحررة الخاضعة لنفوذ مجلس القيادة الرئاسي، وسط استمرار فقدان الريال اليمني قيمته أمام العملات الأجنبية، وهو ما انعكس سلبًا على شتى نواحي الحياة المعيشية.
غير أن الفارق هذا العام يكمن في "حدة الغلاء"، فكثير ممن تمكنوا من شراء الأضاحي العام الماضي بأسعار مقبولة، لن يكون بمقدورهم اليوم الحصول على سعر مشابه، إذ ارتفعت الأسعار إلى أكثر من الضعف.
هل يستطيع المواطن البسيط في عدن شراء أضحية؟
أعاد "عبد السلام محمد" مبلغًا استدانه من أحد أصدقائه إلى جيبه الأيمن، وانتزع منديلًا من الجيب الأيسر لامتصاص العرق، ثم غادر باتجاه بوابة سوق اللحوم المركزي، بعد عجزه عن شراء الأضحية التي أراد.
كان عبد السلام، وهو عسكري متقاعد برتبة مساعد، يتقاضى راتبًا يقدّر بحوالي 150 ألف ريال يمني (75 دولارًا)، يفاوض أحد الباعة القادمين من محافظة لحج على خروف، لكن المحاولة باءت بالفشل بعدما أصر البائع على مبلغ 170 ألف ريال يمني، وهو ما يتجاوز راتبه.
سعى عبد السلام إلى تخفيض السعر إلى أقل من 150 ألف ريال، لكن البائع رفض، ما دفعه إلى الانسحاب، "سأعود يوم الوقفة (التاسع من ذي الحجة) على أمل أن تنخفض الأسعار قليلًا."
سوق مزدحم بالمواشي.. وفقير بالمشترين
يكتظ سوق اللحوم المركزي، الواقع في منطقة دار سعد، بالمئات من رؤوس الأغنام والماعز والأبقار والجمال، القادمة من محافظات لحج وأبين، ويضم السوق مسلخًا مركزيًا ومواقع لبيع الأعلاف، كما يشهد إقبالًا متزايدًا من سكان عدن وبعض المناطق المجاورة خلال العشر الأوائل من ذي الحجة.
وتتصدّر محافظتا لحج وأبين قائمة الموردين إلى السوق، تليهما بعض المناطق من تعز والحديدة، لكن الأضاحي القادمة من مديريات المنطقة الوسطى في أبين تحظى بإقبال خاص، رغم ارتفاع أسعارها هذا العام بشكل كبير.
وتأتي الضأن والماعز القادمة من المناطق الجبلية والسهول في صدارة الطلب، بينما يقل الإقبال على المواشي الساحلية لاختلاف جودة اللحم، ويفضّل كثيرون شراء الضأن على الماعز، مع تفضيل الذكور تحديدًا، وهو ما تعززه بعض الأحاديث النبوية، إلى جانب عوامل تتعلق بجودة اللحم.
أسعار تفوق المرتبات.. والحلم يتلاشى
توقفت شاحنة نقل، محاطة بشبك حديدي، وسط السوق المركزي في مديرية دار سعد، وانقسمت إلى نصفين، امتلأت بطبقتين من الضأن والماعز.
الشاحنة القادمة من مديرية لودر في أبين، جذبت في البداية المواطنين وسماسرة البيع، لكن ذلك لم يدم، إذ انسحبوا بسرعة بعد علمهم بأسعار الأضاحي.
بلغ سعر الخروف كبير الحجم 400 ألف ريال يمني (حوالي 200 دولار)، وهو مبلغ يتجاوز مرتبات أغلب موظفي القطاع الحكومي، فيما وصل سعر التيس (ذكر الماعز) من الحجم ذاته إلى 350 ألف ريال.
وتوجد أضاحٍ بأسعار كبيرة جدًا تتراوح بين 600–900 ألف ريال وما فوق، لكن هذا النوع لا يشهد طلبًا واسعًا، ويُشترى غالبًا من قبل ذوي الدخل المرتفع، أو من يتقاضون رواتب بالريال السعودي أو الدرهم الإماراتي، أو يشغلون مناصب في الدولة والقوى العسكرية والأمنية.
أما الأضاحي الأصغر حجمًا، فلا تقل أسعارها حاليًا عن 150 ألف ريال، ويعلّق المواطنون آمالهم على انخفاض في الأسعار قبيل العيد، رغم أن هذا الترقب قد يدفع البائعين إلى رفع الأسعار، مستفيدين من توافد موظفي المنظمات الدولية والعسكريين ممن يتقاضون بالعملة الصعبة، ما يصعّب الأمر على أصحاب الدخل المتوسط والمحدود.
العرض موجود.. لكن الجودة مفقودة
تجمّع العشرات من المواطنين حول رجل ستيني من محافظة لحج يعرض ماعزًا وضأنًا بأسعار تبدو "مناسبة"، لكن مظهر الأضاحي كشف عن ضعف وهزال، ما جعل أسعارها في نظر كثيرين مبالغًا فيها مقارنة بحجمها.
وهذا أحد أوجه العبث في السوق، حيث سُجلت أسعار مرتفعة لأضاحٍ ضعيفة أو صغيرة الحجم، ما وضع المشترين في حيرة بين حجم أفضل بسعر مرتفع، أو أضحية أصغر بسعر لا يعكس جودتها.
تعددت الأسباب... والغلاء واحد!
كان "محمد علي" يحمل كبشًا متوسط الحجم، يرفعه قليلًا ويتفحص بطنه وفمه، مشيرًا إلى أنه مناسب كأضحية من حيث العمر والحالة الصحية، لكن المشتري المقابل رفض السعر الذي وضعه البائع "250 ألف ريال"، وانسحب فورًا رغم محاولات وسيط (سمسار) لتقريب وجهات النظر.
ويُشترط أن يكون عمر الضأن ستة أشهر فما فوق، والماعز سنة فما فوق، على أن تكون الأضحية سليمة، خالية من العيوب والجروح والكسور.
قال محمد علي لـ"يمن فيوتشر": "ارتفاع الأسعار مؤسف، لكن الناس لا يدركون أن الغلاء لا يصيب المستهلك فقط، بل التاجر أيضًا".
أضاف، "لا يمكن للتاجر البيع بخسارة. الجبايات وتكاليف النقل والأعلاف تفرض علينا رفع السعر، ومع ذلك، لا أنكر أن بعض التجار يبالغون ويستغلون الغلاء وانهيار العملة وغياب الرقابة لتحقيق أرباح غير مشروعة".
عدن.. سوق نشطة
تُعد عدن منطقة جذب لتجار المواشي، إذ يغادر كثير منهم أسواق محافظاتهم مطلع شهر ذي الحجة من كل عام، متجهين إلى المدينة الساحلية التي تحتضن أكبر عدد من موظفي الدولة، والقطاع الخاص، والمؤسسات العسكرية والأمنية في المحافظات الجنوبية، كما أن قلة من يمتهنون تربية المواشي في عدن يجعل منها سوقًا نشطة للعرض لا للإنتاج.