حزب العمال الكردستاني يقرر حل نفسه وإنهاء تمرده المسلح ضد تركيا

أعلن حزب العمال الكردستاني الاثنين حل نفسه وانتهاء أكثر من أربعة عقود من "الكفاح المسلح" ضد الدولة التركية، بحسب ما أفادت وكالة فرات للأنباء المقرّبة من المجموعة.
وجاء في بيان للحزب بعدما عقد مؤتمره الأسبوع الماضي "قرر المؤتمر الثاني عشر لحزب العمال الكردستاني حل البنية التنظيمية لحزب العمال الكردستاني وإنهاء كفاحه المسلح".
وبحسب تقييم المؤتمر، فإن كفاح حزب العمال الكردستاني "أوصل القضية الكردية إلى نقطة الحل عبر السياسات الديمقراطية، وبالتالي يكون الحزب قد أتم مهمته التاريخية".
ووصف طيب تمل نائب الرئاسة المشتركة لحزب المساواة والديمقراطية للشعوب التركي المؤيد للأكراد اليوم الاثنين قرار الحزب بأنه "له أهمية بالغة للشعب الكردي ومنطقة الشرق الأوسط ككل".
وقال تمل لرويترز أن "قرار حزب العمال الكردستاني بإنهاء وجوده والشروع في تحول جديد سيتطلب أيضا تحولا كبيرا في عقلية الدولة الرسمية في تركيا، وسيمهد إلى تبني نموذج جديد". وتعكس هذه التصريحات أملا حذرا في أن يؤدي حل الحزب إلى تغييرات إيجابية في تعامل الدولة التركية مع القضية الكردية.
ومن جانبه، اعتبر متحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم بزعامة الرئيس رجب طيب أردوغان قرار حل الحزب خطوة مهمة نحو "تركيا خالية من الإرهاب".
وأشار في منشور على منصات التواصل الاجتماعي إلى أن عملية حل الحزب ستخضع لمراقبة ميدانية دقيقة من قبل مؤسسات الدولة، مؤكدا أن التنفيذ العملي والكامل للقرار سيكون نقطة تحول.
ويأتي الإعلان تلبية لدعوة أطلقها مؤسس الحزب عبدالله أوجلان المسجون في سجن جزيرة إيمرالي قبالة اسطنبول منذ 1999 حثّ من خلالها في فبراير مقاتليه على نزع السلاح وحلّ الحزب.
وردّ حزب العمّال الكردستاني الذي تتحصن قيادته في جبال شمال العراق، إيجابا في الأول من مارس على دعوة زعيمه التاريخي لوضع حد لأربعين عاما من القتال ضد سلطات أنقرة.
وأعلن يومها الحزب الذي تصنفه أنقرة وحلفاؤها الغربيون "منظمة إرهابية"، وقف إطلاق النار بأثر فوري.
وفي خطاب ألقاه السبت، ألمح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى أن أنباء حل الحزب قد تأتي في أي لحظة، مؤكدا عزم حكومته على "إنقاذ بلادنا من آفة الإرهاب".
وقال "إننا نتقدم بخطوات ثابتة على الطريق نحو هدف جعل تركيا خالية من الإرهاب".
وتأسس حزب العمال الكردستاني في العام 1978، وتعتبره تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منظمة "إرهابية". وأطلق تمردا مسلحا ضد أنقرة عام 1984 لإقامة دولة للأكراد الذين يشكّلون حوالى 20 في المئة من سكان تركيا البالغ عددهم 85 مليون نسمة.
ومنذ سجن أوجلان في العام 1999، جرت محاولات عديدة لإنهاء النزاع الذي خلّف أكثر من 40 ألف قتيل.
وفيما كانت جهود السلام مجمدة منذ حوالي عقد، أطلق معسكر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مبادرة قام حليفه الرئيسي القومي دولت بهجلي بطرحها عبر وفد من حزب المساواة وديمقراطية الشعوب، في أكتوبر على أوجلان المحكوم بالسجن مدى الحياة.
ودعا بهجلي حينها أوجلان إلى نبذ العنف وحلّ حزبه، لقاء الإفراج المبكر عنه.
وفي شمال العراق تقيم تركيا منذ 25 عاما قواعد عسكرية لمواجهة مقاتلي الحزب المنتشرين في مواقع ومعسكرات في إقليم كردستان.
ولا شك أن وقف العمليات المسلحة أن يدفع إلى حل ما تبقى من نقاط خلاف بين بغداد وأنقرة وخاصة سحب القوات التركية من العراق، والتركيز على تنفيذ التفاهمات المشتركة في مجال تقاسم المياه والشراكة الاقتصادية، مع تعيين مبعوث تركي خاص وما يحمله من رغبة تركية في الارتقاء بالعلاقات الثنائية أمنيا واقتصاديا، مع وجود “طريق التنمية” وهو مشروع سيستفيد منه أكراد العراق، وأكراد تركيا.
ويمثل الحل السياسي التركي – الكردي انتصارا لأكراد العراق، وللزعيم الكردي التاريخي مسعود بارزاني، الذي أسس لمسار وقف الحرب وبناء نموذج حكم ذاتي موسع يفيد الأكراد ويخدم قضيتهم ودون القطيعة مع العراق، هذا النموذج يلهم أكراد تركيا وسوريا، الذين قد يرون فيه مسارًا لتحقيق مكاسب مماثلة عبر الحوار بدلا من المواجهة العسكرية.
وكان لبارزاني دور في إقناع أكراد تركيا بتبني مسار الحوار، وفي المساعدة على إقناع أنقرة بفتح قنوات الاتصال، كما كان له دور في دفع أكراد سوريا نحو الحوار مع حكومة الرئيس السوري أحمد الشرع، وتجنب خيار المواجهة العسكرية التي قد تضر بمصالحهم في حال قررت دمشق المواجهة العسكرية بالتنسيق مع أنقرة.
ويمثل إعلان حزب العمال الكردستاني حل نفسه نقطة تحول تاريخية في الصراع التركي الكردي. وبينما تظل تفاصيل وآليات التنفيذ قيد المتابعة، يفتح هذا القرار الباب أمام حقبة جديدة من العلاقات بين الدولة التركية والأكراد، مع تطلعات نحو حلول سياسية وديمقراطية تخدم مصالح جميع الأطراف في المنطقة. كما يحمل هذا التطور دروسا قيمة لحركات التحرر الأخرى في المنطقة التي قد تجد في تجربة أكراد العراق وسوريا وتركيا نماذج قابلة للاحتذاء.